التحقت
بالمعسكر كعضو في لجنتي السكرتارية والإعلام فاقتربت اكثر
واكثر من القضية الفلسطينية على الأقل من خلال هذه النافذة
، ولا أبالغ اذا قلت أنني دخلت الى الأعماق كون جميع الذين
شاركوا جاؤوا تقريبا من كل الدول العربية التي توجد فيها
معسكرات لاجئين او إقامة، وأيضا من عدد من المنظمات
الفلسطينية فعرفت معادلة النضال والجنس والتجارة لدى بعض
القادة الفلسطينيين، وسمعت لأول مرة مصطلح احسن الوسخين
واوسخ الوسخين والأكيد في ذلك طبعا الأفضل وافضل الأفضلين!
طوال تلك الفترة كانت تستوقفني شابة خجولة
بسيط متواضعة مبتسمة مهذبة ولطيفة الى درجة غير معقولة
فكنت من حين لآخر أضع نفسي في طريقها لكي أتحدث معها او
بالأصح اخترع اي موضوع كي نتكلم فيه ، انها إيمان خليل
الوزير (أبو جهاد) نائب عرفات ،كنا نشاهدها وهي في المطبخ
تمسح وتكنس وفي الساحة العامة وهي تنظف وتجمع الأوراق من
الأرض ، وعلى المسرح وهي ترقص الدبكة. بعد حوالي
الأسبوعين عند الظهر حصل أمر غير عادي أشبه بالزلزال او
الهجوم المفاجئ قلب المعسكر رأسا على عقب ، والسبب كان
زيارة عرفات المفاجئة فتدافعنا كلا منا يسابق الآخر حتى
وصلنا الى القاعة المخصصة للطعام واقامة الحفلات، فإذا بي
قد أصبحت على بعد أمتار قليلة منه أتأمل وجهة الفاقع
البياض وقامته القصيرة حيث كنت أتوقعه ضخم الجثة وكانت
دهشتي عندما اكتشفت بأنني أطول منه في القامة ، والبقع
السوداء التي على يديه ورقبته، بعد التحية والتقبيل لكل
واحد في طريقة، توجه الى أحد المكاتب فكنت من ضمن الأشخاص
الذين سمح لهم بالدخول اليه ، فصافحهم وقبلهم جميعا الإّ
انا أصر على مصافحتي فقط فشعرت بالإحراج ، مع اني كنت انشط
واحد في المجموعة واكثر قربا ومعزة وتقدير من قائد المعسكر
وقائد قوات معسكر صبرا وشاتيلا في اليمن العقيد/ احمد مفرج
(أبو حميد) ( استشهد العام الماضي في الانتفاضة الفلسطينية
الثانية بعد ان وصل الى رتبة لواء) من الذين تبادل القبل
معهم عندما صافحته حلقت بخيالي بعيدا مع هذه اليد التي
صافحت الكثير من الزعماء والمشاهير من القادة، من عبد
الناصر الى بريجنيف الى تشاوسيكو وتيتو وغيرهم من الاحياء
والاموات ، ولم أتخيل للحظة واحدة
انها صافحت ولامست اناسا عاديين ليس لهم اي مكان في
الإعراب، المهم طلبت من ابو حميد ان يستأذن عرفات في اخذ
صورة تذكارية معه بعد ان رتبت للمسالة مع عبد الله عبد
المقصود مدير وكالة أنباء الشرق الأوسط في صنعاء الذي كانت
معه كاميرته الخاصة في تلك اللحظة فرحب ودعاني الى الجلوس
بجانبه على مقعد الجلوس ، ولكني رغبت ان تكون وقوفا، فرحب
مرة ثانية باللهجة المصرية التي تغلب على حديثة : قوي
..قوي ، ووضع يده على خاصرتي حتى كادت تعصرني عصرا ،
وعندما لم يلمع الفلاش سالت عبد المقصود ايه الحكاية يا
أستاذ عبد الله؟ فرد عرفات اعتقد انها حتطلع ، المصور
الخاص لعرفات وهو مصري آخر اسمه مراد عبد الرؤوف التقط لنا
صورة أخرى ، وبعد طول اتصالات واستفسارات لعبد المقصود،
سؤال كل يومين او ثلاثة لم يتغير وهو اين الصورة؟ يرد يا
فتحي اصبر لم يخلص الفيلم بعد ، استمرينا على هذا الحال
حوالي الشهر، ولم اصدق عندما ضاق من إزعاجي ، وقال لي خلاص
خذ الفيلم يا عم ومع اني لسه ماخلصتش الصور اللي فيه
ولكن علشان خاطرك واكيد خجل ان يضيف وبسبب ازعاجك وقرفك !،
بسرعة البرق ذهبت الى اقرب استديو ووضعت الفيلم لكي استلمه
بعد ساعة ، هذه الساعة مرت ببطء شديد فقد كنت متلهفا لهذه
الصورة كيف لا وهي مع رجل بحجم ياسر عرفات خاصة وصور ما
حدث في لبنان وحصار بيروت والخروج الأول، ثم العودة متنكرا
الى طرابلس، والحصار والخروج الثاني وقبله في الأردن،
مسيرة طويلة من الأزمات والمشاكل والحروب والإخفاقات ،
وجاء وقت الصدمة صدمتي انا، لم يظهر من صورتي مع عرفات سوى
عقاله! في هذه الزيارة القصيرة القى كلمة اختتمها
بقوله سيرفع يوما شبل فلسطيني او زهرة فلسطينية علم فلسطين
فوق أسوار ومآذن وكنائس القدس ، فاختتمت الخبر الذي سيذاع
في نشرة الأخبار وينشر بعد ذلك في الصحف اليوم التالي كما
جرت العادة بهذه العبارة، إلا ان أحد الزملاء في إدارة
التحرير بالوكالة حذف هذه العبارة، وعندما فشلت في إقناعه
ذهبت الى مدير الوكالة الأستاذ/ يحي الشوكاني وأقنعته
بتضمينها الخبر فوافق وعلق ضاحكا: أبو عمار قال من قبل
ويقول دائما الكثير من العبارات الثورية الرنانة ..لماذا
تصر على هذه ؟! وجاء عرفا ت للمرة الثانية لحضور
المهرجان الكبير الذي أقيم بمدينة الثورة الرياضية القريبة
من مطار صنعاء بمناسبة اختتام المعسكر، ونحن في الساحة
صباحا شاهدنا الطائرة السعودية التي جاءت بعرفات من تونس،
وبعد ساعة جاء مع الرئيس علي عبد الله صالح لمشاهدة العرض،
وفي المساء حضر ومعه محمود حجازي أول أسير فلسطيني ( قضى
اكثر من 15 عاما في سجون الاحتلال) الحفل الفني الذي أقيم
بالمناسبة وحضر برفقة وزير الاعلام والثقافة حسن اللوزي ،
وعندما لمحني المصور مراد ابلغني بان صورتي مع عرفات
موجودة عند عبد الله ابو الهنود القائم بالأعمال الفلسطيني
(ابو الهنود حاليا مدير التوجيه السياسي في القوات المسلحة
للسلطة الوطنية وهو متزوج من يمنية)، وبعد انتهاء المعسكر
كنت ازوره في مكتبه واتناول معه فنجان قهوة، فوجدتني في
الصورة انظر الى كاميرا عبدالمقصود بينما عرفات ينظر الى
كاميرا مراد ، في هذة الليلة طلب مني مجموعة من
الفلسطينيين بان أبلغ اللوزي بنيتهم تقديم هديتين
تذكاريتين للوزير ولابي عمار واقترحت عليهم ان يقدمها
محمود حجازي اول اسير فلسطيني لدى اسرائيل ، تقدمت الى
اللوزي من الصف الثاني واوقفني الحارس الشخصي لعرفات ومن
شدة قبضتة كاد يقطع يدي فاريتة الكارت فسمح لي وهمست في
اذن الوزير بالغرض الذي وسطوني من اجله ، فرد عليّ مالكش
دخل .. العام التالي 86 زار عرفات صنعاء وكلفت بمرافقته
وقد لاحظ انني أمعن النظر اليه بطريقة فضولية فابتسم وأومئ
لي برأسة تحية، إمعان النظر كان للمقارنة بين اللقاء
الأول حيث بعد شهرين تعرض مقر إقامته في تونس لغارة
إسرائيلية، ونعرف كيف تكون قوة وحقد الهجمة الصهيونية
عندما تاتي ردا على شيئ ما ونجا بأعجوبة واللقاء الآن في
هذه اللحظة ، عرفات وغيرة من المسؤولين والأدباء
والفنانين الفلسطينيين كصلاح خلف أبو أياد ( وانا في تونس
في اكتوبر/ تشرين اول 86 التقيت باحد الذين شاركوا في
المخيم الفلسطيني فتذكرني ودعاني الى محاضرة لا ابو اياد
فلم اذهب ولو كنت اعرف انه سيغتال لذهبت فقد كان معروفا
عنه الجراة في الطرح والانتقاد واللامبالاة) - فاروق
القدومي أبو اللطف - نايف حواتمه- د. جورج حبش - محمود
درويش، روحي الخطيب رئيس بلدية القدس وغيرهم كانوا يزورون
شطري اليمن كثيرا فيبدأون بصنعاء ويختمونها بعدن او العكس
في هذه الزيارته لاحظته ينادي الحضور أما بأسمائهم او
كنيتهم ، وعلمت انه يحفظ جميع أسماء الأشخاص الذين عاش
بينهم في لبنان وقبلها في الأردن ثم في تونس ، في العام
التالي توفى تباعا عبد الله عبد المقصود ومراد عبد الرؤوف
!.. برنامج المعسكر تضمن الى جانب المحاضرات( رفيق النتشة
أبو شاكر ممثل المنظمة في السعودية كان واحدا من
المحاضرين)، والتدريب على فك وتركيب الأسلحة الخفيفة
برنامج تدريبي شاق خاص بفرق الصاعقة كان يقوم به الأولاد
الذكور من أعمار العاشرة وما فوق، يقفزون وهم عراة من
الجزء العلوي من الجسم ليقعوا على ظهورهم فوق الحصى ،
وكانوا سعداء بهذا بينما كنت أراقب ذلك بألم وقشعريرة
وإعجاب في ذات الوقت ففلسطين والقدس تستحقان اكثر من ذلك
عملت في لجنة السكرتارية مع مازن عز الدين ناصر (عضو في
البرلمان الفلسطيني الآن) والدكتور/ عبد الرحمن المزين
فنان تشكيلي ومحفوظ وقد نسيت لقبه هو الآخر قضى 15 سنة في
سجون الاحتلال، وبشرى الفرا اشهر عازبة بين الفلسطينيين
التي كانوا عندما يسألونها على سبيل المزاح متى ستتزوج ؟
فتجيبهم عندما يتزوج أبو عمار، وأبو عمار نفسه عندما يُسئل
هذا السؤال كان يجيب انه متزوج القضية، ولهذا عندما كُشف
سر زواجه السري لعامين من سهى الطويل حديت قلمي على الآخر
ونشرت موضوعا في عمودي الأسبوعي في صحيفة الوحدوي الناصرية
في ديسمبر/ كانون أول 1992 عنونته: بالمهرج عرفات، وقد
أثار الموضوع حفيظة الجالية الفلسطينية في صنعاء وفي
مقدمتهم السفير الفلسطيني يحي رباح الذي اتصل بعبد الملك
المخلافي رئيس التحرير (الأمين العام للتنظيم الوحدوي
الشعبي الناصري في ما بعد) وطلب منه ان يسألني فقط ماذا
اقصد باني أطول من عرفات في القامة؟، وعندما عدت الى
الصورة وجدت ان الفارق في الطول لم يكن كبيرا، لا ادري
لماذا اعتقدت أنى أطول منه في القامة ، وسالت نفسي نفس
سؤال السفير رباح ولم اجد الاجابه؟!( كلفني راجح الجبوبي
مدير التحرير بان انضم الى الفريق الاعلامي الذي سيقوم
بتغطية الاجتماع الثلاثي الذي سينعقد في مدينة تعز بين
الرئيس علي عبدالله صالح والرئيس المصري حسني مبارك وعرفات
، وبعد التنسيق مع رباح لكي اتوجه معهم بالطائرة الى تعز
فلم يرد فقد كان اسمي لايزال مطبوعا في راسه، وبالتالي لم
اشارك فبعد معرفة عدم ملائمة هذه المرأة لان تكون زوجة
لقائد يقود شعب يتعرض لأبشع عدوان وظلم ومؤامرات،امرأة
تتابع أخر أخبار الموضة ومع أنها ابنة الإعلامية والسياسية
الوصولية ريموندا الطويل ، الإّ أنها لا توفق في حديثها
ويخونها التعبير .. مثلا مرة سئلت لماذا وضعت ابنتك(في
مستشفى بباريس؟ ( كنا نتمنى لو أطلق عليها اسم فلسطين ام
الجميع بدلا من زهوة على اسم والدته) فأجابت لان
المستشفيات في فلسطين ليست لديها الإمكانات اللازمة
لاستقال حرم السيد الرئيس بباريس فأهانت بكلامها كل
الأمهات الفلسطينيات اللواتي وضعن أولادهن بهذه
الإمكانيات، او بواسطة الدايات( القابلات)، أمهات جيل
الجبابرة الذين هزوا إسرائيل في انتفاضتهم الأولى عام 87
وانزلوا..! الجبروت الصهيوني الى الأرض ومرغوه في الوحل،
فكانت هذه الامرأة اللعوب نقطة ضعف الزعيم و المناضل
الكبير ياسر عرفات ..مركزية عرفات في ان لا يصرف أي مبلغ الإّ تحت
توقيعه.. آخر زيارة لعرفات لليمن كانت عام 2000
لحضورالاحتفالات |